منحة في محنة : فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا...


عبد الشكور ك.ت

 


إن المصائب زاد لم تزل رغَدا

قد راح بالزاد أزمان الدّنا  وَ غَدَا[2]

بل ينجلي الدَّهر منشورا مخالبه

لن تدرك القدر لو أحصيتها عددا

فالدّهر  يملق  خلاّبا جبلته

يبعثر القلب مهما مال واستندا

من كان أقرب من حبل الوريد  يرى

كل العوائق فاليمدد إليه يدا 

لمّا تجرّع كأس الحزن إذ رَحَلت

روح الوليّ  ومن لفّت له بِردا[3]

أسرى  بأحمد حتى كاد  منزلة

من قاب قوسين أو أدنى وقد شهدا

لو أغلقت أبواب الأرض فابقَ إلى

باب السّماء وهذا الباب ما وصدا

وكيف عاش خليل الله داعية

لولاك ما تبقي أمّ القرى بلدا

لم يثمن النفس لم يدفع لها قيما

في دعوة الله لا زوجا ولا ولدا

لا تنزف الدمع من خطب يعاندكم

فرُّوا إلى الله لا تشرك به أحدا

إذ أُزعج القلب في موسى فأرشدها

ربٌّ حذَته على أفعالها عضدا[4]

ألقته في جريان اليمِّ فارغة

تدنو الكآبة فيها كلما ابتعدا

ويذرف الدمع  من عينينها ألما

بكت الإلهَ بأن لا يختليه سُدى

لأن عقدة ذي عسر لها حبك

باليسر سوف تفكُّ العسر والعقدا

من كان يوسف إذ حفّ البلاء به

لم يترك الله لم يهمل به مَددا

عَيشٌ  تبلّد في بئر  لصار له

قصرا تمتّع  في أبراجه مُددا

لا تكظمَنّ على جمح الزمان كما

أغاظ يونس لم يصبر دعا كمدا

إذ عاش في ظلمات الحوت منفردا

لم يهمل النصر  أيّاما مذ ازدردا

إن النبي مشى  بالصبر مختضعا

إذ قلدوا جيفة الأمعاء ما حقدا

كم من بلال ثغا في صدره حجر

لم ينجح الجرح والخذلان مااعتقدا

لا ضير لو رانت الأوساخ في نهر

هل يحسن النهر مهما ساء أو ركدا؟

الغيث ينعش كل النبت ماشرة

يصلصل الرّعد قبل الغيث مطَّردا

هذي الصواعق تزجي الغيث منهمرا

ماذا إذا خفتم الأبراق والرّعدا!

لا أقسم اليوم بالإسلام أن له

روحا تنفّس من أبطاله الشُّهدا

لا تكتئب مغمض الجفنين من سِيرِ

الشُّهدا لعمرك هم في جنَّة خلدا

تسقي النوائب كأس اليأس مرتشفا

لا قدر الله  أو تبدى لنا قِددا

إن الحياة تذكيّ  الحزن ملتهبا

فالحزن جمر إذا أخمدته بردا

إن البلاء يعيث الأرض منحتها

ما دامت الأرض في أوتادها ميدا

من يتّقِ الله لا يشقى ويبردهم

غيظ الزمان ويغني قلبهم لبدا

واخفض جناحك لو تؤذيك نائبة

كما يطأطأ ريش الطير مرتعدا

لئن فشلت أمام الصبر مهتمشا

يطغي البلاء ويذوي الروح والجسدا

إذ أغمي الداء في أيوب مكتملا

لم يبتغوا عن سبيل الله ملتحدا

إن القويّ يرى في وهبه شكرا

إن الضعيف يرى في صبره رغدا

بشّر بأن طغاة الأرض قد ذبلت

كما يذابل زهر بعدما خضدا

قُل من تبايع في دمس الدجى مَلكا

ضوء الصباح يبيد الملك والعتدا[5]

فالشام بوصلة الأعداء ليس لها

عتق وما خلعت من جيدها المسدا

لا تيسئن لأن الفجر مقترب

بعد الظلام  ويأتي الشمس متَّقدا

يا صاحب القدس لا تحزن لأن هنا

قد فخّخ الأمن من أمجادنا أمدا

فالمسلمون غدوا في فوبيا مثلا

صادوامن الناس مظلوما ومضطهدا

واصبر فإن جمال الصبر معجزة

يطغي البلاء ويسقي كل ما وردا

هاج الوباء جميع الأرض قاطبة

لم يترك السوق والأعمال بل جمدا

لا تيئسن إذا ما ذقت جائحة

ولا تظنن أن الله قد بعدا

إن الحياة بلاء عدَّها سقرا

واذكر حديث رسول الله والسندا

يا رب واجعل طريق الخير مفتتحا

خذنا وهيئ لنا من أمرنا رشدا


[1]  يحاول الشاعر في هذه القصيدة  إظهار  كيفية معاملة المبتلي  ، وإبراز حياته الجديدة  بين الخطوب والأحوال الكدرة ،وتسرد القصيدة  مع  حكايات الأنبياء الذين  جاوزوا الخطوب بثقة لا تتزعزع وخطوة لا تنزلق...

[2] إن المصائب كزاد  أي كما علمنا أن الزاد واجب في السفر، إن الحياة سفرقصير.شبه الشاعر غدو الأزمان ورواحه إلى مضي الحياة مع هذا الزاد  

[3] لما توفي أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ولي رسول الله حين توفي والده صلى الله عليه وسلم ،

أما من لفت برداء هي خديجة الكبرى حين رجع  رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : زملوني ، زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع

[4] تسرد حكايةَ أمّ موسى محيانة بنت يصهر إذ أصبح فؤادها فارغا في بحبوحة المحنة

[5] يحذر الشاعر هزيمة الطغاة القساة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، يستذكر فشل قوات الإسرائيل وفشل جنود الهندوكة الفاشستية في الهند..وينذر ملوكا الذين سيطروا وظلموا قوما كانوا مستضعفين من الناس 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال