وهي في بيتها وحيدة


  محمد آسف    🖎

انتهى وقت أسمار وأسدل الليل نقابا منسوجا من خيوط النور أمام الكون وبدأ الثلج أن يذوب بأشعة الشمس وبدت الشمس بابتسامها، وهنا منظر رائع الذي تصوره ابن زراع وابن جيران وزلفة  في حديقة الوادي ، هم يقطعون ريحانة من حديقة الوادي ويشبكون أصابعهم بالأصابع ويتبادلون قلوبهم بالقلوب ويمزحون بينهم كأنهم شقيقات من رحم واحد حتى راحت الشقيقات إلى قدام الوادي فقال ابن زراع :-

أصدقائي! أنا أحب أن أذهب إلى ضفة الغدير....... فبيضّت وجوههم سرورا وانطلقوا مسرورين........ فردوا جميعا في صوت الفرح: يا ابن زراع إننا نشتاق للوصول إليها، 

حتى ركضوا إلى ضفة الغدير وفي حولهم النباتات السابقة وتدق على آذانهم أصوات الطيور الصادحة وتميل إليهم الأثمار اليانعة حتى عانقهم نسيم الرخاء المبعوث من أوراق الشجر وتداعب به الأغصان وتجري الجداول في جانبهم التي هي راقصة بين الصخور وانتقلوا بينها ومرقوا فيه مهلا مهلا حتى ظهر عليهم منظر الغدير وأحيط حوله العشب الأحضر ويجمله ركبة الريحان ويجري فيه ماء هدوء وترقص فيه الأسماك ويطن منه نعيق الضفادع وأسرع ابن زراع وابن جيران وزلفة إلى قربها شوقا وانهمكوا في أنواع اللعب وتكلموا كلام الفكاهة حتى قربت الساعة إلى آخرها ،في هذه  الأمسية تغير كل الأحوال تحول الهدوء  إلى العواصف وسادهم الوجوم المباغت حتى أصبحت جنة الأمن جهنم الحزن وارتفع دخان أسود في أنحاء البلاد وارتفعت إليهم همهمات الهوامات وزمجرات القاصفات والقذائف الممطرة وسمعوا بكاء الأمهات والأطفال الملهوفين آه......آه..... 

عانقت زلفة ابن جيران وضموا أجسامهم بالأجسام وفي عيونهم اقتحام الخوف وفي قلوبهم خفقان الذعر، حتى مشوا في طريقهم ملتويين متمعجين، وارتفع منهم نداء الإغاثة واليأس حتى هرولوا في طريقهم هاربين، 

وفي هذا الحال تمتم ابن جيران بكلام الخوف:-

يا زلفة! إني أريد أن أفهم أحوال البلاد، فانتظري ههنا حتى نرجع ....

حتى انتقلا إلى بعيد من قربة زلفة واحمرت وجهها خوفا وذرفت الدموع من عينيها قائلة:-  

أخوي أنا...أنا خائفة، لم تذهب عني علامات الذعر حتى، وأنا هنا وحيدة وارتفع منها نداء الفراق وانهمكت في حزنها شاهقة ومتوجعة وفي الحال تعرض لها منظر خاطر بأن القنبلة تمطر من السماء وتضاعف عليها خوفها فجأة، دق عليها صراخ كبير من الألم والشجي وأزعج على قلبها هلع شديد وسال العرق على خديها غزيرا فقربت إلى المنظر فرأت أن الدماء قد سفكت على الأرض فصرخت:

يا ابن زراع...أيا ابن جيران...فأسرعت بطلبهما فرأت أن ابن جيران وابن زراع قد صارا ميتين وشهيدين في الأرض، قد مزقت بطونهم  بالقنبلة إربا إربا واجتثت أعضائهم قطعا قطعا وتسيل الدماء من جسمهم قطرة قطرة، حتى دارت وشعرت بما يشبه الإغماء وسقطت إليهما وتنحدر الدموع على خدها وعانقت تان الميتين بكل دفء حتى قبلتهما وسالت الدموع منها فهتفت هتافا صارخا يا....ويلاه... ويلاه إن أخوي قد فارقا مني فوقع عليها الإغماء فخرت خاوية على الأرض، حينئذ حسّت يدا تمس على كتفها فاستيقظت من الإغماء صارخة، فإذا فتى شاحب نحيل ينظر إليها واضعا سبابته على فمه فأعجبها ذلك المنظر وأزعج عليها حزن شديد، فوضعها وحملها إلي بيتها.

وجنّ الليل أمام الكون ، استيقظت من خرفها من جديد فصرخت شقيقاي، تخضل الدموع من عينيها ومضت أيام كثيرة واشتعلت زلفة في حزنها وكآبتها حتى اصطادتها الوحدة مدة كثيرة ومزق أحشاء قلبها حزن وأسى حتى وهن العظم منها واستمرت في هذا الحال، وفي كل يوم صرخت هي ابن زراع أخي...وابن جيران أخي...


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال