الاستدلال بالقرائة المتواترة في علم النحو

نياس سي ك

(طالب بكلية دار العلوم للدعوة الإسلامية – توتا)

 

القرآن هو كلام الله المعجز المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بواسطة الأمين جبريل عليه السلام المكتوب في المصاحف  المنقول إلينا بالتواتر. وظهر إعجازه في فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته وجودة سبكه اذ هو في الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهد مثلها. 

فأصول النحو هي علم يبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث هي أدلته وكيفيته الاستدلال بها وحال المستدل. وهي تعن بأدلة النحو الكلية التي جائت منها فروعه مثل أصول الفقه. وهي العلم الذي يبحث في القواعد التي يتم بها استخراج الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة.

وقد عرف ابن عصفور النحو في كتابه بغية الوعاة على أنه علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها.

فهذا المبحث هو بيان قصير عن الاسبدلال بالقراءة المتواترة في علم النحو من حاله وشروطه وصحته وأدلته مع بيان عن القراءة المتواترة.


الاستدلال في النحو 

الدليل عبارة عن معلوم يتوصل بصحيح النظر فيه إلى علم ما لا يعلم في مستقر العادة اضطرارا. فالأدلة في أصول النحو قسمان: 

1-أصول النحو الغالبة 

2- أصول النحو غير الغالبة 

أما أدلة النحو الغالبة أربعة. هي السماع أو النقل والقياس والإجماع في قول ابن جني في الخصائص واستصحاب الحال في قول ابن الأنباري في لمع الأدلة.

فالسماع هو ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته , فشمل كلام الله تعالى هو القرآن الكريم, وكلام نبيه ﷺ وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا عن مسلم او كافر. فهذه الأنواع الثلاثة لا بد في كل منها من الثبوت. 

فاذا اعتبر عن كلام الله الفصيح القرآن الكريم في الاستدلال يجب ان يعلم عن قراءة القرآن من حيث أقسامه ومن أنها مقبول للاستدلال. 


القراءة وأقسامها

هي عند القراء أن يقرأ القرآن سواء كانت القراءة تلاوة بأن يقرأ متتابعا أو أداء بأن يأخذ من المشائخ ويقرأ. وقسم القراء أحوال الإسناد إلى قراءة ورواية وطريق ووجه. 

فالخلاف إن كان لأحد الأئمة السبعة أة العشرة أو نحوهم واتفقت عليه الروايات والطرق عنه. وان كان للراوي عنه فهو رواية وان كان لمن بعده فنازلا فطريق. اولا على هذه الصفة مما هو راجع إلى تغيير القارئ فوجهز

أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي(ص) والمقرء هو العالم بالقراءات التي رواها مشافهة بالتلقى عن أهلها إلى أن يبلغ النبي(ص). لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم. وهو قراءة القرآن كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه,ووافقت رسم احد المصاحف ولو احتمالا, وتواتر سندها فهي القراءة الصحيحة. لقد قسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة اقسام:

1 المتواتر- وهو ما نقله جمع غفير لايمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترة.

2 المشهور- وهو ماصح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء.فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ. وهذا تصح القراءة به ولا يجوز رده ولا انكاره.

3 الآحاد- وهو مايصح سنده وخالف الرسم او العربية أولم يشتهد الاشتهار المذكور.وهذا لا يجوز زالقراءة.

4 الشاذ- وهو مالم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية. 

5 الموضوع- وهو المختلق المكتوب.

6 ما يشبه المدرج من انواع الحديث – وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.

وهذه الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل الفراءة بها ويعاقب من قرأ بها على وجه التعبير.


القراءات المتواترة

القراءة المتواترة في ما نقلها جمع عقير لا يمكن تواطئهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند. وفي الضروري والطبعي أن يشتهر في كل عصر جماعة من القراء في كلّ طبقة من طبقات الأمّة, يتفقون في حفظ القرآن واتقان ضبط اداته والتفرغ لتعليمه, من عصر الصحابة ثم التابعين وأتباعهم وهكذا، ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدي بهم ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم قراءات هؤلاء السبعة. وهم:

1. نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني 

2. عبد الله بن كثير الداري المكي

3. أبو عمرو بن العلاء البصري 

4. عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي 

5. عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي 

6. حمزة بن حبيب الزيات الكوفي

7. أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي


القرائة العشرة 

هي عبارة عن عشر روايات لقراءة القرآن قام بإقرارها العلماء في بحوثهم التي كانت مخصصة لتحديد القراءات المتواترة عن رسول الله ﷺ. فاستقرت القراءات في البداية على سبع قراءات وبعد ذلك تمت زيادتها ثلاث قراءات على يد الإمام بن الجزري، وأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشرا. وهذه القراءات الثلاثة هي قراءات هؤلاء الأئمة:

1. أبو جعفر المدني 

2. يعقوب الحضرمي البصري

3. حلف بن هشام البغدادي


الاستدلال بالقراءة المتواترة 

إن النحاة قد وقفوا على الحد الفاصل بين القراءات المتواترة والشاذة ليكون ذلك معينا على استجلاء الحقيقة في استدلال كلا الفريقين على قواعدهم النحوية لكلا النوعين من القراءات.

فالقراءات القرآنية تقسم بالمجمل على قسمين: متواترة أو الصحيحة والشاذة، وأركان القراءة الصحيحة ثلاثة كانت منذ القرن الأول هي المعتمدة في نقل القراءات.

وقد أحكم ابن الجزري تقعيدها وضبطها بعبارة محكمة، وأفاض في شرح أركانها إذ يقول «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل انكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين. ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة، أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم. وهذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه.

إذن أركان القراءة الصحيحة ثلاثة:

1. حصة السند مع ثبوت الرواية 

2. موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا.

3. موافقة العربية ولو بوجه 

فهذه الأركان الثلاثة فلا يعد قرآنا خط رأي في أي مكان وقول سمع بدونها، فلا بد فيه أن لا يخالف أحكام النحو المعلوم وكذا يوافقه ولو من وجه.

وقد بحث الإمام السيوطي في الاقتراح يقول: كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وقد بحث الإمام السيوطي في الاقتراح يقول: كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم وحمزة وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن، وهم مخطئون في ذلك.

 فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية. وقد رد المتأخرون –منهم ابن مالك- على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد واختار بجواز ما وردت به قراءاتهم في العربية –وإن منعه الأكثرون- مستدلا به.

فظاهر لنا أن الاستدلال بالقراءات المتواترة جائز عند النحاة مع وفاء شرطه المذكور وعصمته وخلوه من العيب من غير خلاف عندهم. بل الخلاف يجري في غيره من الشاذ ونحوه.


خاتمة 

وفي الجملة الاستدلال بالقراءة المتواترة في علم النحو جائز عند النحاة بالاتفاق مع تمام شروطها الثلاثة من صحة السند وتوافق المصاحف العثمانية والعربية من قواعدها النحوية. وأما الاختلاف بينهم لم يكن في أصل القراءة المتواترة بل في وصف القراء بتمام شروطهم وهل هم أهل للاستدلال. وقد اشتملوا الاستدلال والفصيح ومع أنهم عدوها من أصول النحو الغالبة.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال